بيتر روكويل (1936-2020) هو نحّات وخبير في تاريخ نحت الحجر وتقنياته، ومحاضر كثير المشاركة في الدورات التدريبية التي دأبت منظمة إيكروم على عقدها، وقد توفي في مدينة دانفرز من ولاية ماساشوستس في الولايات المتحدة الأميركية في السادس من شهر شباط/فبراير عام 2020 عن عمر يناهز الثالثة والثمانين عامـًا. وسوف يذكر العديد من الحافظين والصائنين في كافة أرجاء العالم الذين كانوا شاركوا في الدورات التدريبية التي عقدتها منظمة إيكروم بإعجاب وتقدير كبيريْن أن بيتر روكويل قام بتدريبهم.
وبوصفه نحاتًـا ممارسـًا جعل بيتر روكويل نفسه على دراية ومعرفة غيرعادية بتاريخ مهنته. لذلك كان الطلب عليه كبيرًا كمدرّس وكمستشار. ومنذ بدايته في عام 1976، ألقى محاضرة في الدورة التدريبية التي ترعاها منظمة اليونسكو والتي تناولت وقتئذٍ موضوع حفظ الحجر وكانت تعقد مرة كل سنتين في مدينة البندقية في إيطاليا (وقد عُهد بها لاحقـًا لمنظمة إيكروم كما تم نقل اجتماعاتها إلى مدينة روما منذ عام 2011)؛ ولكن أيضـًا، منذ مطلع الثمانينيات ألقى روكويل المحاضرات في الدورات التدريبية السنوية العادية التي تنظّـمها وتعقـدها منظمة إيكروم والتي تتناول مواضيع مختلفة مثل اللوحات الجدارية، والحفظ المعماري، والمبادئ العلمية للحفظ والصون، من بين مواضيع أخرى.
وعندما يصل المشاركون في تلك الدورات إلى قاعات الدرس يجدون مجموعة مخيفة من الأدوات معروضة أمامهم (مثل المعاول، والأدوات المستدقّـة الطرف، والأزاميل، والمطارق، وغيرها من الأدوات). ويقوم الأستاذ المدرّب بصوته الرنّـان بإرشادهم، من خلال استخدام النحّات لأدوات مختلفة ومتعدّدة، لإنتاج أعمال فنّـية كان يجدر بعلماء الحفظ وبالحافظين والصائنين فهْمها قبل محاولتهم حفظها وصونها. ولكنهم سرعان ما يدركون أن الصوت الواثق والعالي ولد من الخبرة والمعرفة الحميمية بخصائص الحجر وبكيفية نحته عبر آلاف السنين. وكانت الزيارات التي اعتاد بيتر أن يؤديها إلى المحاجر، سواء لمحجرة الحجر الجيري (ترافيرتين) في التيفولي أو محجرة بيبيرينو في مارينو أو محجرة الرخام في كارارا، بمثابة تجارب لا تنسى لربط التعليم في قاعات الدرس بمصادر المواد الخام المستخدمة في هذا المجال.
وبعد ان نال شهادة في الأدب الإنجليزي من جامعة هافيرفورد في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، درس بيتر النحت في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة. وبحلول ذلك الوقت كان قد أصبح متزوجًا من زميلته منذ أيام الدراسة الثانوية واسمها سينثيـا (سيني) أيْـد. وقد حصل على منحة في عام 1961 سمحت له أن يسافر بحرًا مع زوجته سيني وابنهما جيفري البالغ من العمر ثمانية عشر شهرًا إلى إيطاليا لدراسة محاجر كارارا الرخامية. وقد كانت هذه الرحلة رحلة حاسمة. انتقلت العائلة إلى إيطاليا، واستقرت في روما التي بقي فيها إلى حين عودته إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 2017. (وكانت زوجته سيني معروفة في منظمة إيكروم حيث عملت لمدة سبعة عشر عامًا كرئيسة لقسم الاتصالات والمنشورات، وقد لعبت دورًا مؤثرًا ومهمًّا، وكانت قد توفيت قبل ذلك بأربع سنوات).
ومن مشغله الواقع في مونتيفردي فيكييو، عمل بيتر على إنتاج منحوتات للعرض وللبيع في كل من إيطاليا والولايات المتحدة حيث وضعها للعرض والبيع عند عودته إليها. ولم يكن يعمل فقط في نحت الحجر بل في نحت البرونز والخشب والصلصال، كما يكان ينتج سبائك وأشكالاً من الراتينج. وقد حصل على مهمات ومأموريات عديدة في جامعته الأم هافيرفورد وفي كاتدرائية واشنطن في العاصمة الدبلوماسية وفي كل من بلايموث وميشيغان وفيلادلفيا وبنسلفانيا وستوكبردج ومساشوستس وكيودجيا في شمال إيطاليا. وتعْـرِض الكنيسة الأميركية للقديس بولس الواقعة داخل أسوار روما حيث كان يعمل أبرشيًا وكبير المراسلين لأكثر من خمسين عامًا، عددا من أعماله. وفضلا ًعن إلقائه محاضرات على نطاق واسع وتعليمه مع المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية- إيكروم والمؤسسة المركزية الإيطالية للترميم، و في صفوف التاريخ في المدارس الدولية في روما، فقد تلقى دعوات لتقديم المشورة في مواقع التراث المعروفة في كل من إيطاليا والخارج، (مثل الموقع الأثري أفروديسيوس الموجود في تركيا).
أما في روما فقد كانت خبرته تلقى التقدير والطلب من قبل 'تعاونية ممارسات الحفظ' خصوصًا خلال عملهم على ترميم موقع نافورة تريفي الشهير.
إن الدراسات التي كتبها واستوحاها من السقالات التي نصبت حول عمود تراجان بهدف العمل على معالجته وصونه في الفترة الممتدة ما بين عام 1981 وعام 1988 أدت إلى تبصّر عميق ورؤى وأفكار جديدة تفطّـن هو بها حول علم الأيقونات وتقنيات النحت والتضاريس الرخامية المهمة والرائعة واللافتة للنظر. كما أدّت في نهاية المطاف إلى تبرّع بيتر روكويل لأرشيف منظمة إيكروم بتوثيقه الكتابي وتصويره الثمين للعمود إلى جانب 30 ألف شريحة تصويرية والعديد من المنشورات.
وقد بات الكثير من المعرفة التي اكتسبها بيتر روكويل موجود اليوم في السجل الرقمي (كما يظهر جليّـًا في كتابه "العمل بالحجـر" كامبريدج 1993).
أما الخبرة التي اكتسبها بيتر فتوجد مرفوقة برسومات توضيحية جميلة في كتابه " تصيّـد الرخام المتكامل" (2004) وهو مجلّـد كان المؤلف يشعر بالفخر والاعتزاز به وهو محقّ في ذلك. وقد عمل في السنوات الأخيرة على نقل تلك الخبرة التي اكتسبها لسياق ثقافي مختلف تمامًا في الهند حيث عمل مستشارًا للدكتور فيديا ديهيجيا (الكتاب غير المكتمل: "نحاتو الحجارة في عملهم في شبه القارة الهندية"، رولي بوكس، 2016). وكانت دعوته لتقييم أصالة المنحوتة التي تسمى غيتي كوروس قد أفضت إلى نتيجة غير متوقعة، في وقت كانت توجد فيه إشارات لإجماع علمي حول افتقار المنحوتة المذكورة إلى الأصالة، جاء رأي بيتر مخالفًا ولكن بحذر. فقد كانت التقنيات التي استخدمت في نحت التمثال يونانية قديمة حقـًا، وهي تقنيات لم يتقنها أحد، حسب معرفته، من المزوّرين الكبار في القرون الأخيرة، بل على العكس من ذلك، لم يجد أي أثر من آثار تقنيات عمل المزوّرين الحديثين.
وبوصفه ابنًا لفنان شهير هو نورمان روكويل، استطاع بيتر أن يخلق "فضاء" خاصًا به وذلك عندما انتقل إلى إيطاليا. وقد عمل عن كثب بشكل خاص في السنوات الأخيرة مع متحف نورمان روكويل الموجود في مدينة ستوكبردج من ولاية ماساشوستس، فتبرّع بنسخ مماثلة من منحوتاته الشخصية الخاصة، إسهامًا منه في إنشاء معارض حول أعمال والده وأعماله هو أيضـًا والإشراف عليها.
وفي عام 2014 عندما سافر المعرض المتحفي المسمّى " السجلات الأميركية" الذي يعرض أعمال نورمان روكويل إلى مدينة روما، رحّب فورًا صوت بيتر روكويل المتميّـز والمعرف بالزوّار في شريط الفيديو التمهيدي الذي قدّم المعرض. وقد لعب هو نفسه دورًا كان فيه فخورًا بوصفه المضيف والدليل والراوي الذي يحكي لعديد الزائرين الذين حضروا للمشاركة في هذا المعرض الذي نال شعبية كبيرة.
عاش بيتر حياة كلّها فنّ وتعليم، وباختصار، هي حياة تمكّـن المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية – إيكروم من الإفادة منها بطرق عديدة فضلاً عن التعليم في دوراتها التدريبية. فالتمثال النصفي لهارولد بلنديرليث المصنوع عام 1995 من البرونز، وهو المدير المؤسس لمنظمة إيكروم، هو من صنع بيتر روكويل، وكذلك التمثال البرونزي الذي يرمز إلى "الحفظ والصون " والذي يناله الفائزون المتميّـزون بجائزة منظمة إيكروم.
ابتكر بيتر روكويل أعماله الخاصة بوصفه نحاتًـا فيما كان يعمل بحماس على تعزيز التقدير لتاريخ حرفته التي امتدت قرونًا طويلة، ليس فقط في الصفوف التعليمية بل أيضًا في مشغله حيث كان يرحّـب بالحافظين والصائنين من الشباب ليشجّعهم على محاولة "تجربة أيديهم " في نحت الحجر. وكان دومًا نبعًا متدفقـًا للحكايات الجميلة المسلّية والذكريات والرؤى في مجال الفنّ والفنانين في البلاد التي تبنّـته.
وسوف يفتقده كثيرًا كلّ من أخوته وأولاده وأحفاده وجميع من كان يعيش في العالم الذي كان تعليم بيتر جزءاً لا ينسى منه في تجربتنا التكوينية في منظمة إيكروم.
نيكولاس ستانلي-برايس 3-3-2020