دورة "التخفيف من مخاطر الفيضانات على التراث الثقافي" تسجل تقدماً نوعياً في حماية أشكال متنوعة من التراث من مخاطر الفيضانات.
في الفترة بين 22 – 30 أيلول/ سبتمبر 2023، نظّم برنامج إيكروم "الإسعافات الأولية والمرونة للتراث الثقافي في أوقات الأزمات – FAR" دورة تدريبية مختلطة، عقدت وجاهياً وعبر الإنترنت، حول التخفيف من مخاطر الفيضانات على التراث في مدينة تروغير في كرواتيا. وقد نُظمت الدورة بالشراكة مع وزارة الثقافة والإعلام في جمهورية كرواتيا، وبدعم سخي من معهد الحفظ الكندي (CCI) والإدارة الوطنية للتراث الثقافي في الصين. حيث جمعت 14 مشاركاً من 6 دول، هم: كندا، وكرواتيا، ومالطا، والهند، وبولندا ورومانيا، وجميعها تواجه مخاطر وشيكة من الفيضانات المتفاقمة بسبب عوامل متنوعة، منها التغير المناخي والتوسع العمراني.
لقد أصبحت الفيضانات واحدة من أشد المخاطر على التراث الثقافي والأكثر تكراراً في جميع أنحاء العالم. ولمواجهة هذا التحدي المتزايد، تم تصميم دورة إمنع (PREVENT): التخفيف من مخاطر الفيضانات على التراث، وهي الدورة الثانية من سلسلة دورات "إمنع" (PREVENT) الخاصة بإيكروم. جاءت هذه الدورة بعد نجاح الدورة الأولى حول التخفيف من مخاطر الحرائق لعام 2022. فالتركيز هذا العام على الفيضانات يسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات جماعية فورية لحماية جميع أشكال التراث.
فمن خلال سلسلة دورات "إمنع" – PREVENT، نهدف إلى تعزيز التعاون بين مختلف الخبراء، وتزويدهم بالتدريبات والموارد المتخصصة لمواجهة التحديات الفريدة لإدارة مخاطر الفيضانات في مناطقهم. حيث يركز هذا التدريب على فهم العوامل المساهمة في حدوث مخاطر الفيضانات، وبالتالي تنفيذ استراتيجيات فعالة من حيث التكلفة للتخفيف والتأهب لحالات الطوارئ في مواقع التراث.
تجربة تعليمية تعاونية
قبل عقد الجزء الوجاهي من الدورة، شارك المشاركون في مرحلة توجيهية، عقدت إلكترونياً لتغطية مفاهيم أساسية، بما في ذلك العلاقة بين الكوارث والتغير المناخي، ومكونات تقييم المخاطر، ودراسات حالة عالمية تسلط الضوء على تأثير التغير المناخي على التراث الثقافي.
وخلال الدورة التي استمرت أسبوعاً، شارك المشاركون في مناقشات نظرية ومحاكاة عملية، تم خلالها التركيز على تقييم مخاطر الفيضانات في مواقع التراث، وتحليل الثغرات ونقاط الضعف وتطوير سيناريوهات المخاطر. كما تم التأكيد على أهمية المعرفة التقليدية، والاستراتيجيات التي تقودها المجتمعات المحلية، والاستجابة الطارئة لحالات الفيضانات في مواقع التراث. وفي نهاية الدورة، عملت كل مجموعة على تطوير خطة عمل مفصلة لتخفيف مخاطر الفيضانات على مواقع التراث في أماكن تواجدهم أو المؤسسات التي يعملون بها.
أهم محاور الدورة
افتتحت الدورة رسمياً بكلمات ألقتها المديرة العامة لإيكروم – السيدة أرونا فرانشيسكا ماريا غوجرال، إلى جانب السيد توميسلاف بتراينيتش – مدير دائرة حماية التراث الثقافي في وزارة الثقافة والإعلام في كرواتيا، ورئيس بلدية تروغير – السيد أنتي بيليتش، الذين أكدوا على الحاجة الملحة لإدارة المخاطر بشكل استباقي من أجل حماية التراث من الظواهر المناخية القاسية.
وقد تضمنت الدورة حلقة نقاش مع رؤساء البلديات حول مخاطر الفيضانات الحالية في تروغير، وخطط الإدارة والفجوات القائمة أمام حماية تراثها. حيث كشفت هذه المناقشة عن التحديات التي تواجه المدن التاريخية، والحاجة إلى تعزيز تدابير أكثر فعالية لحماية التراث.
الفجوات الرئيسية التي تم تحديدها
-
على الرغم من الاعتراف بالتراث الثقافي في العديد من الوثائق الاستراتيجية الوطنية، إلا أن هناك فجوة كبيرة في التنفيذ الفعلي على الأرض، لا سيما بما يتعلق بتعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة والمؤسسات.
-
تتجاوز الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات الاستثمارات التي تُبذل في تعزيز الصمود.
-
هناك تعاون محدود بين قطاع التراث الثقافي وجماعات العلوم المناخية، بالإضافة إلى ضعف التعاون بين المستويات المختلفة من الهيئات والقطاعات.
-
المستوى المتدني من الوعي بمخاطر الفيضانات وباستراتيجيات القدرة على التكيف والصمود يعيق اتخاذ إجراءات فعالة بين صناع القرار.
-
عدم كفاية البيانات لتقييم مخاطر الفيضانات وتسعيرها بدقة.
-
التقليل من مخاطر الفيضانات والخسائر الناتجة عنها يؤدي إلى تصور أن جهود التخفيف غير ضرورية.
توجيهات لإيجاد الحلول
لمعالجة هذه القضايا الرئيسية، تم اقتراح الحلول التالية:
-
تبني الابتكار: دمج التقنيات الجديدة مع التقليدية.
-
تغيير سلوك المؤسسات: تعزيز ثقافة التعاون والتواصل بين المؤسسات.
-
إنشاء نماذج عمل مستدامة: مراجعة عمليات التخطيط الحضري والريفي لإعطاء الأولوية للقدرة على الصمود.
-
ضمان إدارة فعالة للموارد: تحسين تخصيص الموارد لزيادة الأثر.
-
تعزيز البحث والابتكار: الاستثمار في الأبحاث المختصة بالقدرة على التكيف مع التغير المناخي والحفاظ على التراث الثقافي.
-
الاستفادة من المعرفة التقليدية: دمج المعرفة والممارسات المحلية في الاستراتيجيات الحديثة للقدرة على التكيف والصمود.
-
التثقيف وزيادة الوعي: تنفيذ برامج تعليمية، تستهدف بشكل خاص الشباب، لتعزيز ثقافة التأهب والوعي.
-
إدماج التراث الثقافي: دمج التراث الثقافي وعلوم المناخ في التخطيط الاستراتيجي على جميع المستويات.
-
تقديم تدريبات حول إدارة مخاطر الكوارث: تقديم برامج تدريبية للهيئات المحلية والمجتمعات لتعزيز التأهب.
-
وضع لوائح وأنظمة قوية: تطوير إطار تنظيمي قوي يدعم جهود التخفيف من مخاطر الفيضانات.
-
إنشاء سياسات محلية: صياغة سياسات محلية تلبي الاحتياجات الخاصة ونقاط الضعف في كل منطقة.
-
تعيين جهة تنسيق وطنية: تعيين جهة تنسيق وطنية للإشراف على جهود إدارة مخاطر الفيضانات وتنسيقها.
حلقة نقاش مع صياد من جزيرة أوغليان: دمج المعرفة التقليدية في إدارة مخاطر الفيضانات
كجزء من التزام الدورة باتباع النهج المجتمعية، تم عقد جلسة نقاش مع الصياد بوزيدار بلاسلوف من جزيرة أوغليان في كرواتيا. هدفت هذه الجلسة إلى جلب أصوات مجتمعات الصيد في الخطوط الأمامية إلى المحادثة حول إدارة مخاطر الفيضانات. فالصيادون، مثل بوزيدار، لديهم معرفة قيمة حول الأنماط المناخية وتوقعات العواصف، والتي يستخدمونها لتخطيط أنشطة الصيد والتخفيف من المخاطر.
وخلال الجلسة، شارك بوزيدار بلاسلوف الطرق التقليدية التي يستخدمها مجتمعه للتأهب للعواصف والتغيرات الجوية. فهذه الممارسات، التي تم تناقلها عبر الأجيال، تبرز قيمة المعرفة المحلية في إدارة مخاطر الفيضانات. فهذه الجلسة ألهمت المشاركين لاستكشاف نُهج مشابهة، قائمة على المجتمعات المحلية، في مشاريع التراث الخاصة بكل منهم.
تقييم أوجه الضعف والقدرات في تروغير: مشاركة السكان المحليين في إدارة مخاطر الفيضانات
شارك المشاركون في إجراء تقييم تشاركي لأوجه الضعف والقدرات، وذلك باستخدام أداة "في مرمى البصر" أو “InSight” التي تم تطويرها في إطار برنامج إيكروم الإسعافات الأولية والمرونة للتراث الثقافي في أوقات الأزمات – FAR. حيث تم إشراك أكثر من 35 من أفراد المجتمع المحلي، بما في ذلك أصحاب المحلات، والأطفال، والمسؤولين المحليين. وقد ركز هذا النشاط على أهمية دمج التراث الثقافي في التخطيط لإدارة مخاطر الفيضانات، لضمان توجيه أصوات السكان المحليين لعملية اتخاذ القرار والتعزيز من قدرة المجتمع على التصدي للفيضانات.
التمرين الأخير للمحاكاة القائمة على السيناريو
أجري تمرين محاكاة للفيضانات في دير بينديكت في تروغير، وذلك باستخدام تصورات ثلاثية الأبعاد وإرشادات تفصيلية، مما أتاح للمشاركين فرصة التعلم البصري وتطبيق المعرفة التي اكتسبوها على مواقف واقعية في الاستجابة للفيضانات. فهذا التمرين قد أبرز أهمية التواصل الفعّال بين الجهات المعنية والتعاون في حالات الطوارئ. كما عززت رؤى رئيس بلدية تروغير ورجال الإطفاء المحليين الدور الأساسي للعمل الجماعي والتواصل من أجل حماية التراث الثقافي خلال أوقات الأزمات.
المضي قدماً
في الوقت الذي نواجه فيه واقع التغير المناخي، ستظل الدروس المستفادة من هذه الدورة ذات صدى عبر الحدود، مع ضمان بقاء التراث محمياً للأجيال القادمة. فضمن الخطوات القادمة، سيقوم المشاركون بمراجعة خطط العمل الخاصة بهم وتنفيذ تدابير التخفيف من مخاطر الفيضانات في مواقعهم، وذلك على مدار الأشهر الستة المقبلة. حيث سيتم تشجيعهم على مشاركة تجاربهم ونتائجهم مع مجتمعاتهم وشبكاتهم المحلية، مما سيزيد من أثر التدريب الذي تلقوه. فمن خلال مواصلتنا في مشاركة الجهات المعنية وتعزيز الوعي حول مخاطر الفيضانات، يمكننا بشكل جماعي بناء نهج أكثر مرونة لحفظ التراث.
