على الضفاف الخلابة لنهر النيل، تقع منطقة الجيزة التاريخية والحضرية في مصر. المنطقة الشاهدة على التاريخ الغني للحضارة الإنسانية، حيث تتداخل المعالم الأثرية القديمة مع الأبنية العمرانية الحديثة. فهي موطن هضبة الجيزة الشهيرة حيث توجد الأهرامات، والمنطقة التي تحتفظ بآلاف السنين من التاريخ، والثقافة وعجائب الهندسة المعمارية.
يترابط تاريخ الجيزة مع الحضارة المصرية القديمة، التي يعود تاريخها إلى القرن الـ 26 قبل الميلاد. فهرم خوفو العظيم، وهرم خفرع، وهرم منقرع وأبو الهول الغامض لطالما أذهلوا العالم على اعتبارهم نماذج دائمة للإبداع البشري. وعلى مر القرون، تحولت الجيزة من مقبرة مقدسة إلى مركز حضري نابض بالحياة.
ومنذ اكتشاف قبر توت عنخ آمون في عشرينيات القرن العشرين، ازدهرت السياحة في مصر. حيث أدت ضغوط التحضر إلى خلق مشاكل كبيرة في المنطقة التاريخية للمعالم الأثرية في الجيزة.
إن هذه التحديات ليست فريدة من نوعها في مصر. فالعديد من مواقع التراث العالمي في أنحاء مختلفة من العالم تعمل من أجل إيجاد التوازن الحساس بين الحفاظ على التراث والتطور الحضري المعاصر. حيث تتعرض مواقع مثل المناطق التاريخية في اسطنبول ومركز روما التاريخي لنفس المعضلة، فهي تواجه تحديات مماثلة فيما يتعلق بالتناقض بين الكنوز التاريخية وسياق البيئة العمرانية الحضرية المتنامية.
وقد أمضى الخبراء، والمخططون والمهندسون المعماريون، والمتخصصون في الحفاظ على التراث ومدراء مواقع التراث عقوداً في السعي لإعادة تأهيل الجيزة والمناطق المحيطة بها، كما أنه تم التخطيط للعديد من مشاريع التجديد العمراني.
تحفظ مكتبة إيكروم ضمن مجموعاتها واحدة من تلك الخطط التي لم تتحقق أبداً، وهي أطروحة بعنوان: "مركز الجيزة التاريخي: دراسة للحفاظ على التراث المعماري المصري الخالد ضمن المنظومة العمرانية الحية"، ألّفها طالب الدكتوراه محسن عبد القادر الحناوي في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية. حيث نشرت الجامعة الأطروحة في عام 1967.
ينقسم العمل إلى مجموعتين من حيث المحتوى. ففي الجزء الأول، يهدف المؤلف إلى إعطاء القارئ فكرة عن مختلف جوانب العمارة المصرية. حيث يتم التطرق إلى موضوعات منها تأثير الطبيعة والمناظر الطبيعية، والمسكن البشري والمجتمع، والدين، والتاريخ والتكنولوجيا. وبإعطاء الأمثلة، يصف المؤلف الخصائص المختلفة للمشهد المعماري الحديث في مصر، موضحاً ذلك بالعديد من الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود التي يتضمنها هذا الجزء.
أما الجزء الثاني، فيركز تماماً على المجمع التاريخي في الجيزة. فبعد المقدمة التي تصف السمات الأساسية للعمارة التاريخية المصرية، يسلط الحناوي الضوء على مجمع الجيزة. حيث وباستخدامه للعديد من الرسومات، والمخططات، والارتفاعات، والمقاطع من زوايا ووجهات نظر ونقاط رئيسية مختلفة، يُكسب القارئ رؤية للموقع والترتيب الخاص بالمعالم الأثرية الموجودة في الموقع التاريخي.
وفي الجزء الأخير، يقدم مؤلف الأطروحة حله المقترح لإعادة تأهيل المنطقة. حيث يركز تحديداً على ثلاثة جوانب يعتقد أنها ذات أهمية كبيرة لتثمين، وإعادة تأهيل واستخدام مجمع الجيزة التاريخي.
1. ربط الموقع بالمنطقة الحضرية في القاهرة.
2. إنشاء طريق موكبي يتبع تقاليد البناء المصري القديم.
3. دمج المباني والخدمات الحديثة في المجمع التاريخي، مثل مرافق المتاحف والمسرح، ومرافق إجراء البحوث، والمرافق الترفيهية، إلخ.
ففي الكتاب، يتصور المؤلف مجمع حديث يتكون من عدة مبان، بما فيها مركز للزوار، ومكتبة، ومركز أبحاث وقاعة ومساحات خضراء.
هذا الكتاب مثير للإعجاب لوضوح وجمال الرسومات والخطط الموجودة فيه، إلى جانب ما يحتويه من تفاصيل ثرية ورؤية واضحة، حيث يرد في خاتمته:
"تمثل [هذه الدراسة] الاعتقاد بأن العمارة هي تفسير مستمر للأحداث عبر التاريخ، وأنه من واجبنا المضي في تراث تلك القمم الرائعة في تاريخنا. فدراستها وتجربتها وتقييمها تساعدنا على تحقيق مستقبل أفضل" (ص. 125).
إن مخطط الحناوي لم يصبح حقيقة واقعة. فإذا بحثت عن الجيزة على الخرائط الحالية لجوجل، حيث خطط المؤلف للمرافق الثقافية، فستجد موقفاً ضخماً للسيارات وملعباً خاصاً للجولف.
ومع ذلك، يترقب العالم بشغف افتتاح المتحف المصري الكبير الجديد، الذي يقع في الجيزة، على بُعد كيلومترين فقط من الأهرامات. فهذا المتحف هو المأوى الجديد لأشهر الفنون والقطع الأثرية القديمة في مصر، والتي كانت معروضة سابقاً في المتحف المصري في وسط القاهرة.
مقتبس من المصدر التالي: القادر الحناوي، محسن عبد: مركز الجيزة التاريخي: دراسة للحفاظ على التراث المعماري المصري الخالد ضمن المنظومة العمرانية الحية، واشنطن العاصمة: مطبعة الجامعة الكاثوليكية الأمريكية، 1967
ICCROM: VIII E 755, https://biblio.iccrom.org/cgi-bin/koha/opac-detail.pl?biblionumber=1309