إن البناء الشامل والمتكامل للقدرات لحماية تراث المدينة يمكن أن يسهم في مستقبل مستدام لشعبها
مدينة الموصل، ومعناها "نقطة الربط" باللغة العربية، هي موطن لثروة من التنوّع الثقافي والديني. ففيها الأضرحة الهامة المخصصة للديانات التوحيدية الثلاث، إلى جانب العديد غيرها من المباني والمواقع التاريخية البارزة، وهو ما يجعل تراث المدينة وأهميتها يتجاوز آلاف السنين.
ومع ذلك، فإن الموقع الاستراتيجي الذي جعل الموصل مفترق طرق ثقافيًة عبر التاريخ، جعلها أيضًا هدفًـا للحركة الإسلامية الإرهابية المتطرّفة المعروفة باسم "داعش". ففي شهر حزيران/ يونيو عام 2014 ، أصبحت الموصل أكبـر مدينة تقع في أيدي هذا التنظيم الإرهابي. وأما الضرر الذي لحق بالتراث الثقافي للمدينة والمناطق المحيطة بها أثناء النزاعات فقد كان مدمّـرًا.
وفي أعقاب هذه الأحداث المروّعة التي حدثت في الماضي القريب، كان تصميم أهالي الموصل على استعادة مدينتهم وتعافيها تصميمًا حازمًـا وقويـًـا. وفي هذا الصدد، تم العمل على تطوير عديد المشاريع التي كانت قد جُمعت في إطار مبادرة إحياء روح الموصل عن طريق استعادة التراث الغنيّ وتعافيه.
وتحت هذه المظلة، تطلق منظمة إيكروم برنامجها لتعافي التراث في الموصل، وهو برنامج يهدف إلى بناء القدرات، مدته سنتان ويتم تنظيمه بالتعاون مع منظمة اليونسكووجامعة الموصل و بدعم ماليّ من كل من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يهدف البرنامج إلى تعزيز المصالحة المجتمعية من خلال تعافي البيئة وإعادة تأهيل المواقع التراثية في المدينة، كما يسعى البرنامج إلى ضمان فرص معيشية مستدامة على المدى الطويل لأهل الموصل وضمان الازدهار لهم في المستقبل.
تمّ تصميم برنامجنا لتعافي التراث بهدف تحقيق تقوية مهارات المتخصصين في مجال التراث المحلي والحرفيين وذلك من خلال التدريب والممارسة الفنية العملية. وسوف يتم تدريس هذا البرنامج باللغة الإنجليزية، وسيتكون من مساريْـن اثنين.
المسار الأول: سنقوم بتدريب محترفي البناء الشباب الذين لديهم خلفية في الهندسة المعمارية والهندسة المدنية. بناء القدرات من أجل التطوير المهني. لتحقيق هذا الهدف، سنقوم بتدريب محترفي البناء الشباب الذين لديهم خلفية في الهندسة المعمارية أو الهندسة أو التخطيط الحضري أو التخصصات المماثلة. ومن خلال هذا البرنامج سوف يطوّرون مهارات عالية في تقدير القيمة، وتحليل السياق، والتوثيق، وتقييم الأضرار والمخاطر، والاستقرار الهيكلي، والتخطيط الهادف للتعافي، وكذلك إعادة الاستخدام المتكيّـف والارتقاء بالبنية التحتية.
المسار الثاني: إحياء وتطوير الحرف اليدوية والارتقاء بها. وقد تمّ تطوير المسار الثاني بروح "إعادة البناء بشكل أفضل"، وسوف يتمّ منح العمال الحرفيين الفرصة لتعزيز مهاراتهم مع الإسهام في جهود الحفظ والترميم. وسيأخذ التدريب في الاعتبار القدرة على تحمّـل التكاليف بالإضافة إلى الحقائق على أرض الواقع. ولضمان الاستدامة، سيقوم البرنامج بإنشاء روابط مع صناعة البناء لضمان توفّـر المواد التقليدية، كما سيتم إعادة تدوير المواد القابلة للاستخدام من الأنقاض بقدر الإمكان.
وبما أن منظمة إيكروم هي منظمة ذكية وسريعة التحرّك، فإنها تكرّس عملها وجهدها للوصول إلى أصحاب المصلحة والمعنيين على كافة المستويات داخل الدول الأعضاء. ونحن في منظمة إيكروم يسعدنا أن نساعد الحكومة العراقية وندعم جهودها من خلال هذا البرنامج المتعدّد الأوجه، وأن نعمل في تعاون وثيق مع المجتمعات المتنوّعة داخل هذه المدينة الشهيرة. وسوف يؤدي ذلك إلى تعاون مثمر مع جامعة الموصل في تطوير برنامج أكاديمي حول حفظ التراث من شأنه تمكين الأجيال الجديدة من المتخصصين في حفظ التراث والمدافعين عنه.
ونحن نسعى، من خلال عملية بناء مستدامة ومرنة، للمساعدة في خلق الأمل في المستقبل بعد الصراع المدمّـر.
وتركّـز المبادرة بشكل خاص على تمكين التراث الثقافي كوسيلة للتعاون والتماسك الاجتماعي، تبدأ جنبًـا إلى جنب مع إشراك السكان المحليين في عملية إعادة بناء مستدامة ومرنة، وبثّ الأمل في المستقبل بعد الصراع المدمّـر.