انطلقت الأسبوع الماضي بمدينة شيانغ ماي في تايلاند دورة تحت عنوان "ربط المجموعات بمساحات المتاحف وسياقاتها"، وذلك ضمن برنامج كول آسيا 2024 (CollAsia 2024).
ترتبط المتاحف والمؤسسات القائمة على المجموعات ارتباطاً وثيقاً بالمجتمعات التي تخدمها. ويعكس هذا الترابط أهمية مراعاة السياقات الاجتماعية والثقافية الأوسع نطاقاً في ممارسات حفظ التراث ورعايته، حيث يجب أن تُتخذ القرارات من منظور تعزيز رفاهية المجتمع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وعليه، جاءت دورة برنامج كول آسيا 2024 بعنوان "ربط المجموعات بمساحات المتاحف وسياقاتها" لتدمج بين المعرفة التقليدية والمبادئ العلمية لتعزيز الممارسات المستدامة في رعاية المجموعات وإدارة المتاحف. حيث ومن خلال فهم مبادئ التغيير والتدهور، وفي نفس الوقت التعرف على العلاقات السببية بين القطع الفردية والسياقات الأوسع، يمكن لخبراء التراث اتخاذ قرارات مستنيرة في مجال الحفظ. فهذا النهج الشامل يضمن أن ممارسات الحفظ ترتكز على خلفية اجتماعية وبيئية واسعة، تأخذ في الاعتبار العوامل المتنوعة التي تؤثر على مجموعات التراث في عالمنا المتغير باستمرار.
وقد تمت استضافة الدورة في متحف شيانغ ماي الوطني، حيث جمعت 19 خبيراً في مجال التراث ممن جاءوا من مختلف أنحاء آسيا للتعلم وتبادل الأفكار والمعرفة في مدينة شيانغ ماي؛ وهي ثاني أكبر مدينة في تايلاند، والمعروفة بحرفها اليدوية ومهرجاناتها النابضة بالحياة. فالمشاركون ينتمون إلى خلفيات مهنية متنوعة، بما في ذلك مجالات الحفظ، والسياحة المستدامة، وتفسير المتاحف، وتنظيم المتاحف، والتعليم، والبحث. ومعاً، يحمل المشاركون أكثر من 300 عام من الخبرة ويتحدثون أكثر من 23 لغة، مما يبرز تنوع المجموعة وثراء فرص التعلم المتاحة.
جهود مشتركة
تُعد هذه الدورة ثمرة شراكة بين إيكروم والمعهد الوطني لبحوث التراث الثقافي التابع لخدمة التراث الكورية، وبالتعاون مع دائرة الفنون الجميلة التابعة لوزارة الثقافة في تايلاند.
خلال حفل الافتتاح، رحبت المديرة العامة لإيكروم، أرونا فرانشيسكا ماريا غوجرال، بالمشاركين عبر رسالة مصورة، مشددة على أهمية تنوع وجهات نظرهم وتجاربهم.
وأشارت قائلةً: "إن برنامج كول آسيا معروف بتقديم محاضرات تفاعلية، وتمارين عملية، ومهام جماعية، جميعها مصممة لإلهامكم وتجهيزكم بالأدوات التي يمكنكم تطبيقها في مؤسساتكم وممارساتكم". وأضافت: "ما ستتعلمونه خلال هذه الأسابيع سيمكنكم من اتخاذ قرارات حفظ مدروسة، مما سيساهم في النهاية في تحسين صحة المجتمعات والعالم أجمع".
كما عبر المدير العام للمكتب الإقليمي السابع لإدارة الفنون الجميلة في تايلاند، السيد شيناووت وينيلاي، عن نفس المشاعر قائلاً: "إن الحفاظ على تراثنا الثقافي لا يقتصر على العناية بالقطع الأثرية فحسب، بل يتعلق بحماية هويتنا وتاريخنا. وأعتقد أن كل واحد منكم لديه القدرة على المساهمة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً لتراثنا الثقافي. فلذلك، دعونا نشارك معرفتنا وتجاربنا لنتقدم معاً في مهنتنا."
وأضاف لي كيلباي، مدير قسم التخطيط والتنسيق في المعهد الوطني لبحوث التراث الثقافي في جمهورية كوريا، قائلاً: "إن قارة آسيا هي موطن لتاريخ استثنائي وثروات ثقافية متنوعة. كما أن للمعهد الوطني لبحوث التراث الثقافي شرف كبير للمساهمة مرة أخرى في استضافة وتشغيل برنامج كول آسيا. فمن خلال تعزيز التبادلات الحيوية بين الباحثين الآسيويين، سنواصل خلق فرص لمشاركة المعرفة حول الحفظ المستدام للتراث الثقافي والقيمة التي يحملها للإنسانية جمعاء".
إبراز الدعم العالمي
خلال الأسبوع الأول، تشرفت الدورة بحضور السيدة ديوناندريا شورتي، الممثلة الدائمة المناوبة للبعثة الأمريكية لدى وكالات الأمم المتحدة في روما. حيث سلطت مشاركتها الضوء على الدعم المستمر طويل الأمد من الولايات المتحدة لعمل إيكروم ومهمتها. وفي كلمتها خلال حفل الافتتاح، أكدت على أهمية التعاون العالمي في مجال حفظ التراث، مشيرة إلى أن هذا التعاون يعزز من قدرة المجتمع الدولي على حفظ التراث الثقافي للأجيال القادمة:
وقالت: "من خلال شبكتها العالمية من خبراء التراث الثقافي أمثالكم، فإن إيكروم مؤهلة لبناء قدرات الخبراء لحماية تقاليدهم الوطنية ومعارفهم التقليدية وحفظها، بينما تسهم أيضاً في تعزيز سبل العيش الاقتصادية. فنحن لن ننجح في الحفاظ على الثقافة للأجيال القادمة، سواء في جنوب شرق آسيا أو في جميع أنحاء العالم، إلا إذا تجاوزنا حدود تخصصاتنا وعملنا معاً. كما أننا يجب أن ندرك أن التحديات العالمية لا يمكن مواجهتها إلا بحلول عالمية. فنحن نؤمن كل من هو معنا في هذه القاعة، وفي هذه الأنواع من الدورات التدريبية، سيسهم في خلق بداية جيدة".
البحث في الممارسات الثقافية والاستدامة
بدأت الدورة خلال مهرجاني يي بينغ ولوي كراتونغ في شيانغ ماي، حيث كانت المدينة مزينة بالفوانيس ومليئة بالأنشطة الثقافية والدينية. وقد تم دمج هذه الممارسات الثقافية في الدورة، حيث قام المشاركون بتوثيق التقاليد والقطع المرتبطة بها. فالدورة تشمل عدة زيارات ميدانية إلى مواقع ثقافية، مما يتيح للمشاركين الفرصة للتعرف على الحرف التقليدية والتقاليد المحلية. ومن الجدير بالذكر أن الزيارات الدراسية إلى المتاحف التي تأثرت بالفيضانات الأخيرة في شمال تايلاند في تشرين أول/ أكتوبر قد سلطت الضوء على الحاجة الملحة للتعامل مع آثار التغير المناخ والتغييرات السلوكية اللازمة لتحقيق الاستدامة في ممارساتنا في مجال الحفظ.
عن برنامج كول آسيا (CollAsia)
تم إطلاق برنامج إيكروم "كول آسيا" في عام 2003، المدعوم من قبل الجمهورية الكورية منذ عام 2012، بهدف تمكين الخبراء في مجال مجموعات التراث في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. حيث يركز البرنامج على دمج المعرفة التقليدية والمبادئ العلمية في ممارسات الحفظ. فمن خلال تعزيز استخدام المواد المحلية والأساليب التقليدية، يساهم كول آسيا في تقليل الاعتماد على الواردات، وخفض التكاليف، وتعزيز الشراكات مع المنتجين والصناعات المحلية. كما يعمل هذا النهج على تقوية الروابط مع الحرف التقليدية الحية والخبرات التي تتجاوز القطاع الرسمي للتراث.
كذلك، يُعنى برنامج كول آسيا بتعزيز التفكير النقدي، واتخاذ القرارات والمعرفة العلمية، بعيداً عن الحلول الثابتة. فهو يُشجع المشاركين على إجراء بحوث تطبيقية لمواجهة التحديات المتعلقة بمجال الحفظ في مؤسساتهم. كما يهدف إلى خلق تأثير مضاعف، مما يمكن المتاحف من التفاعل بشكل أكثر فاعلية مع مجتمعاتها. ومن المتوقع أن يشارك المشاركون معرفتهم من خلال تدريب زملائهم، مما يضمن تأثيراً مستداماً على حفظ التراث في جميع أنحاء المنطقة.