حوارات فكرية لتوجيه رؤية إقليمية لحفظ التراث والترويج له
الشارقة، الإمارات العربية المتحدة - من 6 إلى 8 شباط/ فبراير 2018
أولاً- لماذا هذا الملتقى!
تنبع الرّوايات والحكايات عن التّراث الثّقافيّ من التّفاعل الطويل بين الإنسان والعمائر الأثريّة من حوله وما يرتبط بها من التّحف والفنون الشعبيّة واللّغات واللّهجات المختلفة. وتغتني المعارف عن التراث من خلال البحث العلمي في هذه المواقع أو في السجلات التاريخية. والمنطقة العربية، بتنوع بيئاتها الجغرافية، موطنٌ لمجموعاتٍ بشريةٍ متعددةٍ، تتمتع كلٌّ منها بذخيرةٍ تراثيةٍ فريدةٍ تتجسد في ممارساتٍ ثقافيّةٍ متنوّعةٍ، لاتزال تظهر في العمران والفلكلور والسير الشعبية والأمثال والنوادر والطرائف، بل في كل أشكال التعبير الثقافي.
تُضفي الأصوات والروائح على المكان سواء كان مبنىً أو تحفةً أو سوقاً في مدينةٍ أو مشهداً طبيعياً روحاً تجعل التراث تجربةً ذات أبعادٍ وجدانيةٍ ترسّـخ الماضي في الحاضر. الأطلال والآثـار شـاهـدٌ مادّيٌّ على الأقوام الرّاحلة، إنها تذكيرٌ بالمشاعر والمعاني والقيم التي اِرتبطت بالمكان حين كان حيّاً في الزمن، والتراث نسيجٌ يربط المجتمعات معاً بتاريخٍ مشتركٍ لمنطقةٍ توارثتها حضاراتٌ متعاقبة، وهو في نفس الوقت رابط الفرد بالجماعة، فهو رمز هويته ومبعث فخره. لذا، فإن محدّدات التراث والثّقافة معقـّدةٌ ومتشابكةٌ ومتداخلةٌ ومختلفٌ عليها بدرجاتٍ متفاوتةٍ تعتمد على المكان والمجتمع المعنيّ.
إن الاِختلاف والتباين الإقليمي والهويات المحلية داخل المنطقة، نتيجة التجربة البشريّة عبـر الزمن، جعل فهم التراث متبايناً من منطقة لأخرى. ومنذ الفترة العثمانية والاِستعمار الأوروبي تأثـّر مفهوم التّراث الثقافيّ واِستراتيجيات إدارته في المنطقة العربية تأثّراً كبيراً بالمستشرقين الذين درسوا وقدّموا ما سموه الشرق وماضيه وهويته في قالبٍ غربيٍ عن التراث. كان تقديم التراث يتجاهل الموروث الحي للمجتمعات المحلية، بل كان يُنظر له، غالباً، على أنه معروضٌ متحفيٌ يُقدَّم في متاحف صمّمها الأوروبيون ضمن منظورٍ غربيٍ للآثار والتاريخ. إن اِستمرار علم المتاحف على هذا النسق حتى زمننا الحاضر لا يشجع مشاركة المجتمع في إنتاج الثقافة وعرضها بالشكل الكافي، كما أن عدداً من قوانين الآثار في المنطقة تطورت ضمن إطار الفلسفات الغربية وتصوّراتها للتراث الثقافي، ولايزال العديدُ من تلك القوانين نافذاً منذ منتصف القرن العشرين حتى الآن بدون تنقيح، حتى ولو تم تحديث بعضها من زوايا معينة.
ولا يزال مفهوم التراث الإقليمي المشترك في المنطقة العربية ضبابياً إلى هذا اليوم، ولا تزال المصطلحات التقنية ناقصةً، والبيانات وأدوات التحليل والتقييم شحيحةً أو غير فعالة، ولذلك تبرز أهمية تبني خطوطٍ توجيهيةٍ لإدارة التراث الثقافي في العالم العربي تُتيح مشاركة علماء الآثـار والمعماريين والجغرافيين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاِجتماع والفنانين والمؤرخين ومختصي الحفظ والفلكلور والمهتمين والسكان.
إن محاولات اِستكشاف التراث الثقافي الإقليمي ومكنونه ماثلةٌ في المنابر الإعلامية الحديثة، مثل الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والموسيقى والأداء الشعري، كما أن الأدب العربي من روايةٍ ومسرحٍ تناول مواضيعَ تراثيةً بطرقٍ مختلفةٍ ولكننا، مع ذلك، لانزال نفتقر لدراسةٍ وتحقيقٍ نقديٍّ شاملٍ فيما قُدِّم في الماضي وما يُعرض الآن في هذه المنابر لاِكتشاف إمكانيات الاِستفادة منه في تشجيع الاِستثمار في التراث الثقافي للمنطقة وراء الحدود الوطنية لأقطارها. أحد الجوانب الأخرى التي تتطلب مزيداً من الدراسة، هو تنوّع المعتقدات وعدم وضوح رؤية التراث من خلالها. وللاِستفادة من التوعية وللكشف عن المفهوم السائد لمعنى التراث؛ من الضروري أن نفهم كيف تسهم هذه المعتقدات في تشكيل وعي المجتمع بالتراث الثقافي.
يقف العالم العربي اليوم على مفترقٍ حرج، فالتراث لم يكن يوماً مهدداً كما هو الآن، فبالإضافة للتلف والتدهور الطبيعي الذي يتعرض له التراث، زادت الأخطار الناجمة عن توسّـع الأنشطة البشـرية والتدمير المتعمد والإهمال. ورغم تلك التهديدات فالتراث الثقافي، إذا ما أُحسن اِستخدامه، أداةٌ للمّ شمل المجتمع، وقبول الآخر، وتعزيز ثقافة السلام، وقد يكون التراث الثقافي أيضاً وسيلة لحل المظالم ورفع الضّيْـم.
في هذا السياق الواسع، وتحت رعاية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة الشارقة، ينظّـم المركز الإقليمي لحفظ التراث الثقافي (إيكروم- الشارقة) ملتقىً لتطوير فلسفة التراث ومقاربات الحفاظ عليه بناءً على المفاهيم والمعطيات المحلية والإقليمية، لتنشيط الحفاظ على الأماكن التراثية والأعمال الفنية في العالم العربي والتعريف بها.
يُقام الملتقى في إمــارة الشارقة في الفترة ما بين 6 و8 شباط/ فبراير عام 2018، ويتألف من جلساتٍ فكريةٍ وورشات عملٍ يوميةٍ وحلقات بحثٍ لمناقشة المفاهيم الفلسفية والقيم التي تسترشد بها ممارسات الحفظ في المنطقة، ولتحديد الاِحتياجات وتطوير خطة عملٍ لمعالجتها. اللغة المعتمدة للملتقى هي العربية، وسيوفّر المنظمون ترجمةً فوريةً للمتحدثين باللغة الإنكليزية، كما سيُعمَل على نشر مداولات الملتقى.
ثانياً- الأهداف
من خلال عقد هذا الملتقى، يُتوقع أن تفضي المشاركات لتحفيز الحوار البنّاء الذي يهدف إلى اِستعراض القيَـم الثقافية، وطرح أسئلةٍ هامةٍ برؤيةٍ إقليميةٍ اِستشرافيّة. وعلى وجه التحديد:
- تحفيز خبراء ومفكرين في المجالات الثقافية المتنوعة لمناقشة المفاهيم المرتبطة بأسس حفظ التراث الثقافي المادي في العالم العربي؛
- مناقشة التأثيرات على سياسات وممارسات حفظ التراث (كالاِستشراق، والمعتقدات والمفاهيم الدينية، والمؤسسات الدولية المتخصصة في الثقافة أو التراث، والعوامل الاِقتصادية التي وضعت النظم التراثية والمناقشات في المنطقة ضمن النموذج القائم)؛
- التعريف بماهية التراث الثقافي وأهميته والمعاني التي يحملها التراث المادي كما تراها المجتمعات في المنطقة العربية، وضرورة الحفاظ عليها؛
- دراسة وتحليل دور الإعلام والتربية في صياغة مفهوم التراث في الثقافة السائدة؛
- توفير منبـرٍ لذوي الاِهتمامات في المنطقة من الباحثين ليشاركوا ويسهموا في المناقشات والمحادثات الجارية.
وسيعمل مركز إيكروم-الشارقة على تحقيق أهداف الملتقى ومتابعة نتائجه من خلال رسالته كمدرسةٍ إقليميةٍ لمنظمة إيكروم تخدم المنطقة العربية في الحفاظ على التراث الثقافي والترويج له، وتسهم في نشر المعرفة على كافة المستويات المهنية والمؤسساتية والمجتمعية.
ثالثاً- الهيكل والمواضيع
يُعقد الملتقى على مدى ثلاثة أيام، وستدور مناقشات اليوم الأول حول: ماذا يعني التراث الثقافي في العالم العربي؟ وما الذي نعتبره ذا قيمة، للوصول لفهمٍ واضحٍ في تعريف ما نتحدّث عنه عند البحث في حفظ التراث الثقافي في المنطقة. وسيركّـز اليوم الثاني على الأسباب التي تجعل الحفاظ على التراث ضرورةً ملحة، لماذا نحافظ على التراث الثقافي؟ وعلى المناخ الإقليميّ الحالي، والتهديدات التي تواجه التراث. وسيناقش اليوم الثالث، كيف نحافظ على التراث؟ ما هي الاستراتيجية الفُضلى، وما هي الحلول قابلة التحقيق. بشكلٍ عامٍ، يسعى الملتقى إلى تسليط الضوء على الاحتياجات الأساسية للمنطقة اليوم، وإلى معالجة المسائل المتعلقة بما نعتبره قيّـماً. لتحقيق هذه الغاية سَتَلي كلَّ جلسةٍ ورشةُ عملٍ لتداول الأفكار المطروحة بين المفكّـرين من مختلف التخصصات وصياغتها وتلخيصها.
وفي اليوم الأخير، ستُلخَّص محاضر ورشات العمل لاِستخلاص رسالةٍ عن التراث الثقافي من الملتقى للجمهور المستهدف، ولوضع توصيات الملتقى التي ستدعم عمل مركز إيكروم- الشارقة في خدمة المنطقة العربية.
رابعاً- الجمهور المستهدف
يستهدف الملتقى العربي للتراث الثقافي الناشطين والعاملين في مجال حفظ التراث الثقافي:
- المفكرون والفلاسفة والمؤرخون وعلماء الأنثـروبولوجيا ذوو الخبرة في الدراسات الاجتماعية والثقافية؛
- الفنانون والموسيقيون والشعراء والإعلاميون والصحفيون؛
- المهندسون المعماريون، والمخططون الحضريون، وعلماء الآثـار، والحافظون أو المهنيون الذين يملكون معرفةً واسعةً في دراسات التراث الثقافي؛
- المهنيون ذوو الخبرة الذين يعملون في مجال التشريعات و/أو توثيق الإتْجار غير المشروع بالتراث الثقافي؛
- المدرسون والباحثون الناشطون في حفظ التراث الثقافي والتوثيق؛
- مديرو التراث الثقافي/الممارسون العاملون في المتاحف وفي مواقع التراث؛
- قادة المجتمع المحلي وممثلوه؛
- الباحثون أو طلاب الدراسات العليـا من جميع التخصصات المرتبطة بحفظ التراث.
خامساً- المخرجات والنتائج المتوقعة
النتائج والمخرجات المتوقعة للملتقى هي القراءة النقدية لمفهوم التراث الثقافي وخصوصيته في المنطقة من أجل الارتقاء بمنهجيات الحفاظ اِنطلاقاً من منظورٍ إقليمي. وعلى وجه التحديد ستشمل النتائج:
- نشر أوراق عمل الملتقى لإتاحتها للمفكرين والمختصين؛
- توصياتٍ اِستراتيجيةً لمتابعة نتاج الملتقى؛
- رسالةً إعلاميةً من الملتقى حول مفهوم وخصوصية التراث الثقافي في الوطن العربي وضرورة الحفاظ عليه.
سينشُرُ المركزُ نتائجَ الملتقى الرئيسية ومُلخَّصاته على موقعيْ إيـكروم وإيكروم-الشارقة الإلكترونيين.